العلاقة بين عادل إمام وجماهيره شديدة الخصوصية، ذات تفاصيل معقدة تحتاج للتحليل العميق لعل الأجيال الجديدة من الفنانين تستفاد منها، فـ”إمام” لديه نصيب كبير من الذكاء الذي جعله يتربع على عرش زعامة الفن العربي حتى الآن.
فما من زعيم إلا ولديه مريديه يثقون فيه ويتبعونه ويستمتعون بزعامته وكلماته وحركاته وسكناته فهم من أطلقوا عليه هذا اللقب الذي يُمنح ولا يُفرض، فالجماهير صاحبة الحق الوحيد في تنصيب من تراه زعيمًا على الفن.
الزعيم عادل إمام.. فنان من طراز خاص
نحن أمام شخص من طراز فريد استطاع بدهاء شديد يُحسد عليه تحديد شريحة جماهيرية مستهدفة، عمل من أجلهم وأخلص لهم وأفنى عمره في إسعادهم فامتلك أفئدتهم بعدما خاطبهم بلغتهم التي يفهموها.
لم يتعال الزعيم في يوم من الأيام على جمهوره ويكفيك كمشاهد أن ترى أعماله الأولى لتتأكد بنفسك أنه يمتلك نفس ملامح وصفات النسبة الأكبر من الشعب المصري.
انتقى الزعيم الأعمال التي قدمها سواء في بداية حياته الفنية أو في السنوات العشر الأخيرة ليفرض نفسه على الساحة كبطل أوحد من حيث الإيرادات الأعلى سينمائيًا والأكثر مشاهدة والأعلى أجرًا تليفزيونيًا.
لسنا في حاجة للتأكيد على زعامة عادل إمام لكن هناك تفاصيل كثيرة تؤكد ذلك، فالمدد القياسية لعرض مسرحياته وخاصة “الواد سيد الشغال” دليل على نجاحه المتفرد في المسرح، بينما قدرته على تجسيد البطولة السينمائية والتليفزيونية وهو في العقد الثامن خير دليل أيضًا على ذلك.
الزعيم ينافس جيل الشباب على البطولة
استطاع عادل إمام فعل ذلك في بعض الأحيان وسط جيل الشباب، بينما توارى أبناء جيله عن الأضواء وابتعد بعضهم عن تقديم البطولة سواء طواعية أو مضطرين بسبب عوامل السن أو تغير قوانين السوق وخوف المنتجين من المغامرة.
الزعيم كان واثق في إمكانياته في وجود زملاءه العمالقة أمثال المشخصاتي أحمد زكي وصاحب الطلة المتفردة محمود عبد العزيز، بالإضافة إلى المثقف نور الشريف والمتمكن محمود ياسين والدكتور يحيى الفخراني، وابن البلد المعجون بالفن صلاح السعدني وغيرهم من النجوم الكبار الذين عاصروه.
المشاهد المصري والعربي كان محظوظًا بوجود كل هذه الأسماء أصحاب المواهب المتفردة الذين اجتمعوا في آن واحد، ورغم نجوميتهم الكبيرة ومواهبهم الفذة إلا أن عادل إمام كان صاحب مكانة خاصة في قلوب الجماهير.
عادل إمام استحق لقب الزعيم
من يصبح زعيمًأ في وجود هؤلاء النجوم الكبار هو بالتأكيد هو صاحب إمكانيات خاصة واستحق هذا اللقب عن جدارة بعدما حصل عليه نتيجة عرق وجهد كبير رغم زعم البعض أن عادل إمام أقل موهبة من أبناء جيله مثل أحمد زكي ومحمود عبد العزيز.
ستبقى في ذاكرة النجم الكبير عادل إمام ثلاث مواجهات مع الجمهور لن ينساها طوال عمره فهي بمثابة “ماستر سين” حياته الفنية أو بمعنى أدق أهم لحظات حياته الفنية.
3 مواجهات تكشف علاقة الزعيم بالجمهور
المواجهة الأولى هي التي جعلته يعرف قيمة الجمهور الذي استمد نجاحه وطاقته منه فيما بعد، مما جعله يقف مع الفن وعشاقه في المواجهة الثانية التي كانت مغامرة شديدة الخطورة، بينما كافأه الجمهور واحتفى به في الثالثة.
المواجهة الأولى «أنا وهو وهي»
المواجهة الأولى التي ستظل عالقة في ذهن كانت عقب اختياره لأداء دور دسوقي أفندي في مسرحية “أنا وهو وهي” مع النجوم الراحلين فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي وشويكار وكانت هذه المسرحية من أسباب شهرته.
رغم أن الدور كان صغيرًا للغاية “كلمتين في الفصل الثاني” إلا أنه بمجرد ظهور عادل إمام لأول مرة في هذا العرض المسرحي وبدأ يتحدث فوجئ الجميع بضحكات الجمهور فبدأ يرتجل ويخرج عن النص فيضحك الجمهور أكثر وهكذا حتى أصبح دوره أساسيًا في المسرحية مع الوضع في الاعتبار أنه قبل هذه المسرحية كان متخصصًا في أداء الأدوار التراجيدية إلا أن تجاوب الجمهور معه ساعده في أن يكون دوره أساسيًا في المسرحية ويحقق نجومية كبيرة فيما بعد.
المواجهة الثانية.. «أسيوط»
عادل إمام كان حريصًا على الذهاب للجمهور خاصة في مناسبات عدة، وكان سباقًا في هذه الخطوة ولعل زيارته في صيف عام 1988، لمحافظة أسيوط بصحبة فرقته ونخبة كبيرة من الصحفيين والإعلاميين والمثقفين لتقديم عرض لمسرحيته “الواد السيد الشغال” بمشاركة فرقة من الهواة تكونت من شباب أبناء قرية “كودية الإسلام” وهذه القرية كانت بمثابة عرين للجماعات الإسلامية خلال حقبة الثمانينيات.
سبب هذه الزيارة غير المحسوبة ــ مثلما وصفوها ــ لأسيوط أن الجماعات الإسلامية هناك كانت تمنع أي عروض فنية لهذه الفرقة الفنية الناشئة وأسقطوا شهيدين من هذه الفرقة بالإضافة إلى إصابة آخرين تحت زعم أن الفن حرام وأن أعضاء هذه الفرقة كفار وفاسقين ومارقين.
هنا جاء دور الزعيم الذي أصر على حماية هؤلاء الشباب والسفر إلى معقل الجماعات الإرهابية بنفسه وعرض مسرحيته الشهيرة، ورغم تحذير الجميع لعادل إمام من هذه الزيارة المحفوفة بالمخاطر خائفين على حياته فمن السهل اصطياده بطلق ناري سواء أثناء سفره في القطار أو أثناء نزوله في المحطة أو خلال العرض المسرحي، لكنه أصر على هذه الزيارة ليؤكد للجميع أنه زعيم حقيقي لا يهاب الموت.
زيارة الزعيم إلى أسيوط والتحامه المباشر بالجماهير الغفيرة في الشوارع ومحطة القطار وعلى المسرح جاءت انتصارًا للفن على الإرهاب والوقوف أمام طيور الظلام من ناحيه، ومن ناحية أخرى دافع عن صورة الفنانين أمام أنفسهم وأمام الجمهور ليثبت للجميع أن الفن ليس حرامًا وأن مصر بلد يعرف الفن والفنانين منذ أيام المصريين القدماء.
المواجهة الثالثة.. العرض الخاص لـ«السفارة في العمارة»
المواجهة الثالثة تأتي بمثابة مشهد الحصاد واحتفاء الجمهور بالزعيم وجهًا لوجه، فقد وقعت أحداث هذا المشهد الاحتفالي الكبير أثناء العرض الخاص لفيلم “السفارة في العمارة” الذي أقيم في منطفة وسط القاهرة، وأثناء دخول عادل إمام شارع سليمان باشا وقد أصيب الشارع بالشلل التام، فالجميع في انتظار الزعيم القادم بسيارته الفارهة ذات الزجاج الأسود.
الزحام الشديد تسبب أن تسير السيارة ببطء شديد وبمجرد وقوف السيارة أمام سينما مترو بوسط البلد وفتح الزعيم الباب ووقف على عتبة السيارة يحيى الجمهور الذي أصيب بالجنون الشديد فور مشاهدته فقد حاول البعض رفع سيارة الزعيم علاوة على محاولات مصافحته يدًا بيد مما أدى إلى تكسير زجاج السينما ولولا العناية الإلهية لحدثت كارثة، مما تسبب في منع العرض الخاص في دور العرض السينمائي في وسط البلد لفترة طويلة.